التخوف من التكنولوجيا الجديدة يساعد على تحسينها

| 0 min read

أن التقنيات الجديدة مضرّة لنا فعلاً، وأنها قد تشتت انتباهنا أو تدمر ذاكرتنا، هي حجة ليست بالجديدة، بل تعود إلى سقراط. وقد يكون من السهل استبعاد هذه المخاوف ودحضها، ولكن هذه التخوقات من التكنولوجيا هي في الواقع جزء مهم من اكتشافاتنا.

تنظم مجتمعاتنا قواعد مضمّنة في معرفتنا الجماعية، وتنطوي على الطريقة الصحيحة للتصرف والتواصل مع بعضنا البعض. ويتم وضع هذه القواعد على مدى طويل بعد كثير من النقاش والمنافسة بين الأفكار في المجتمع.

بعض أهمّ القواعد التي نحتاج إلى اكتشافها تدور حول كيفية استخدام التكنولوجيا، والأهم من ذلك، كيفية عدم استخدامها.

أحد الأمثلة الحديثة على التخوف من تأثير التكنولوجيا هو فيديو انتشر سريعاً يضم دينزل واشنطن، وسايمون سينك، وجو روغان وآخرين يناقشون وسائل الإعلام الاجتماعية والهواتف الذكية، ويقولون في الفيديو بأننا لا نقضي أي وقت مع أناس حقيقيين، وننغمس في التعليقات والإعجابات على هذه المنصات.

ينضم هذا الفيديو إلى تاريخ طويل وفخور يمتد عبر نيل بوستمان (الذي كتب كتاب Amusing Ourselves to Death)، وألفين وهايدي توفلر (مشهوران بـ Future Shock)، حتى جون كينيث غالبريث في كتابه The Affluent Society، والتي تعدّ جميعاً كتابات تخوف من ظواهر تكنولوجية معينة.

كما أنه ينضم إلى التحذيرات التي تقول لنا بأن نبتعد عن الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، وصولاً للعملات الرقمية.

علينا أن نفهم أولاً، لماذا يساعدنا هذا التخوف في التطور التكنولوجي وتحسين التقنيات الجديدة بطريقة بديهية.

ما هي قواعد العمل مع التكنولوجيا الجديدة؟

كتب العالم الاقتصادي العظيم كلارنس أيريس عن كيفية دمج التكنولوجيا في حياتنا بطريقة تكاد تقارب الطريقة التي تستخدم بها المجتمعات القبلية التمائم للتفاعل مع بعضها البعض.

في المجتمعات القبلية، يتم تطوير نظام كامل من القواعد ويحفظه “الشامان” حول ما تعنيه التمائم وكيف يتم استخدامها في الحياة اليومية.

وبالمثل، يجب تطوير نظام كامل من القواعد من قبل التكنولوجيين الذين يجربون تقنيات جديدة ويعلمون الناس كيف، ومتى، ولماذا يستخدمونها في الحياة اليومية.

لا تُدمج التقنيات الجديدة على الفور في الحياة اليومية، كما افترضت النماذج الاقتصادية التقليدية. كذلك فإنها لا تأتي مع دليل تعليمات يحدد لمَ يمكن استخدامها، ولا كيفية استخدامها.

علينا أن نتعلم ونطور القواعد أنفسنا حول كيف، ومتى، ولماذا نستخدم التقنيات الجديدة. وهذا يتطلب أن نتحدث مع بعضنا البعض ونشارك تجاربنا وأفكارنا.

وبينما نتحدث مع بعضنا البعض ونشارك الأفكار حول التكنولوجيا الجديدة، تتطور منافسة بين الأفكار. من هذا نكتشف كمجتمع معرفة جديدة حول كيف، ومتى، ولماذا يجب علينا استخدام تقنيات جديدة في حياتنا اليومية.

يساعدنا الحماس والتخوف على الاكتشاف

كتب زميلي جيسون بوتس عن كيف يساعدنا الحماس بشأن التكنولوجيا الجديدة على اكتشاف كيف يجب استخدامها.

ولكن هناك جانب آخر يسهل نسيانه هنا، وهو تحذير الآخرين والذين يقللون من شأنها من مخاطرها، وهو أمر يساعدنا على تهدئة حماسنا وتشجيعنا على الحذر، وبذلك نستطيع اكتشاف ما ليس علينا فعله باستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة.

يمكننا تشبيه الأمرين بـ بروميثيوس (من الأسطورة الإغريقية) الذي سرق النار من الآلهة، وباندورا التي قامت بإطلاق سراح الشرور للعالم عن غير قصد. تساعدنا كلتا الأفكار السلبية والإيجابية التي تدور حول التكنولوجيا الجديدة في اكتشاف قواعد مفيدة للتعامل مع هذه التقنيات.

نستطيع أن نستشهد بالتكنولوجيا النووية، والتي يرى الجميع مقدرتها المدهشة كمصدر فعال للطاقة، لكننا نعرف جميعًا عن مخاطرها أيضًا، فأماكن مثل تشيرنوبيل، فوكوشيما، جزيرة ثري مايل، ستبقى مشعة لعشرات الآلاف من السنين بسبب التداعيات النووية.
فمع مرور الوقت، وعلى الرغم من النزاعات المريرة في كثير من الأحيان، اكتشفنا قدراً كبيراً من المعرفة حول كيف، ومتى، ولماذا، يجب علينا استخدام التكنولوجيا النووية.

النقاش حول وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية يشبه هذا الأمر كثيراً، فهناك مجموعة من الحجج حول الإمكانات المذهلة لهذه التكنولوجيا لتزويد الناس العاديين بطرق للتواصل بشكل كان متاحاً فقط للأقوياء والأثرياء جداً سابقاً.
ولكن هناك أيضاً حجج معاكسة تفيد بضرر إدمانها، وتأثيرها على مدى انتباهنا، وتمكينها للأقوياء والأغنياء من التلاعب بنا.

وبمرور الوقت، على الرغم مما قد يحدث في كثير من الأحيان من نزاع شرس بين هذه الأفكار المتنافسة، يمكننا أن نتوقع اكتشاف مجموعة كبيرة من المعرفة حول أفضل السبل لاستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية.

إذاً، يبدو أن المتشائمين بالتكنولوجيا يساعدوننا على تحسينها، فهي لا تأتي مع كتيب قواعد حول كيفية استخدامها. علينا أن نكتشف ذلك عن طريق التجربة والخطأ والحجة. ولذلك، فإن أهمية المتشائمين منها تأتي بقدر أهمية المشجعين لها.

_______

بريندان ماركي-تويلر، زميل أبحاث الصناعة، جامعة كوينزلاند

تم نشر هذه المقالة في The Conversation، لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا.