هل انتهت موجة ازدهار عملات الميم ذات الطابع السياسي؟
شهدت منصة المراهنات بوليماركت (Polymarket) وعملات الميم ذات الطابع السياسي عاماً استثنائياً وسط احتدام المنافسة بين كامالا هاريس (Kamala Harris) ودونالد ترامب (Donald Trump)، فهل يمكن لهذا النجاح أن يصبح مستداماً؟؟
لعبت عملات الميم ذات الطابع السياسي وأسواق المراهنات القائمة على التوقعات دوراً حاسماً في تشكّل الموجة الصاعدة الحالية للعملات الرقمية مستفيدةً من أجواء الانتخابات الأميركية المثيرة وسياسات دونالد ترامب الداعمة لعملة بيتكوين (Bitcoin-BTC)؛ كما تحوّلت عملات رقمية جديدةٌ -كعملتي TRUMP وMAGA- إلى أدواتٍ للمضاربة تتغيّر قيمتها وفقاً لفرص فوز المرشحين.
يُذكر أن أعلى العملات الرقمية ذات الطابع السياسي (PolitiFi) من حيث القيمة السوقية ترتبط بالمرشح الجمهوري، بينما تتمتع العملات المرتبطة بكامالا هاريس عادةً بقيم سوقيةٍ أقل بكثير، وينطوي الاستثمار في عملاتٍ كهذه على مخاطر جمة، فقد لامسَ سعر عملة “Jeo Boden” (BODEN) أعلى مستوياته عند 1.07$ في نيسان/أبريل، قبل أن ينهار بنسبة 99.6% بعد إعلان الرئيس انسحابه من الترشح لإعادة انتخابه.
فقد أصبحت انتخابات الرئاسة المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر مصدر ربح هام لمنصة المراهنات بوليماركت التي تسمح للمستخدمين بوضع رهاناتٍ باستخدام العملات الرقمية على عددٍ من القضايا المتنوّعة، فقد وضعت فيها رهاناتٌ بقيمةٍ تقارب 986.2 مليون دولار حول فوز هاريس أو ترامب بسباق الرئاسة بعد 6 أسابيع، فيما لا تزال المنافسة شديدةً وغير محسومة.
ولكن عندما يتضح الفائز، يبقى سؤالٌ مهمٌّ ينبغي طرحه: هل ستنهار أسعار عملات الميم ذات الطابع السياسي، وهل ستعاني أسواق التوقعات من تراجعٍ سريعٍ وحادٍّ للإيرادات؟
تكشف البيانات الواردة من حساب @rchen8 على منصة Dune Analytics أن منصة المراهنات بوليماركت في طريقها لتحطيم الأرقام القياسية لأحجام التداول الشهرية في أيلول/سبتمبر، متجاوزةً القيمة المسجّلة خلال سابقه والبالغة 472.8 مليون دولار، فيما تشير البيانات إلى أن معظم هذه الأنشطة تتعلق بالانتخابات، مع اهتمام أقلَّ كثيراً بأسواق أخرى كمراهنات الألعاب الرياضية والثقافات الشعبية.
وفيما قد يتضاءل الاهتمام بالعملات الرقمية المرتبطة بترامب حال إخفاقه في الفوز بولايةٍ ثانية، خاصّةً وأن احتمالية ترشحه مجدداً عام 2028 تبدو غير مرجحة، أفاد جوريكا دوموفيتش )Jurica Dujmović( -الباحث لدى مؤسسة Weiss Ratings والمتابع عن كثب لتقلبات عالم عملات الميم المرتبطة بالسياسة- لموقع Cryptonews بأن:
“استدامة عملات الميم ذات الطابع السياسي على المدى الطويل مسألةٌ معقدة؛ فبرغم تمتّعها حالياً بشعبيةٍ لا يمكن إنكارها، إلا أن استمرارَها بالتواجد يستند إلى قدرتها على تجاوز كونها مجرّد ظاهرة عابرة، فهذه العملات تتقاطع مع مجالي التمويل والمشاركة السياسية، ما يمنحها مكانةً فريدةً ضمن النظام التقني لقطاع الكريبتو. غير أن قيمة هذه العملات تعتمد كثيراً على المضاربات والفرضيات السياسية العابرة، وهو ما يمثل تحدياً لاستدامتها المستقبلية. ولكي تصمد هذه العملات، يجب أن تتطوّر لما هو أبعد من فكرتها الأساسية، وأن توفر استخداماتٍ عملية ملموسة أو تخلق مجتمعاتٍ مزدهرة ومستدامة. ورغم أن هذه التطورات ليست مستحيلة، إلا أنها تشكل عقبةً هائلةً لم يستطع الكثير منها تجاوزه بنجاح حتى الآن”.
ويرى دوموفيتش أننا سنشهد “إعادة تقييم للاهتمامات” بعد الانتخابات، إلا أن الحماسة تجاه هذه العملات لن تختفي بين عشيةٍ وضحاها:
“فالخطاب والمشاركة السياسية لن يتوقفا بانتهاء الانتخابات”.
ما الذي يجعل عملاتٍ كهذه تحظى بشعبية هائلة؟
بدايةً، قد تتساءلون عن أسباب تمتع عملات الميم هذه بشعبيةٍ جارفة، فالمحلل Dujmović يرى أنها تمثل أحد أشكال التعبير السياسي المبتكرة، فهي تتيح لمالكيها الشعور بالانتماء لمجتمع واسع يضم أشخاصاً ذوي اهتماماتٍ متشابهة. وبينما لا يمكن إنكار أن بعض المستثمرين قد انجذبوا نحو فرص تحقيق عوائد مثيرة، لكن التقلبات تُعَد سلاحاً ذا حدين وتنطوي على الكثير من المخاطر.
وهنا يشير رينيك بالي (Rennick Palley) -الشريك المؤسس لصندوق التحوّط Stratos الذي سبق له الاستثمار بعملات ميم مشابهة- إلى أن امتلاك عملاتٍ تحمل أسماء شخصياتٍ سياسيةٍ لا يعني بالضرورة التوافق مع سياساتهم، حيث أفاد لموقع Cryptonews بقوله:
” لا تمثل هذه العملات أدواتٍ للإشادة بالسياسات، وإنما تُعد أصولاً يستخدمها المتداولون للتعبير عن آرائهم بشأن كيفية تأثير الأحداث المستقبلية على الأسعار، وتجسّد عملة Boden مثالاً جيداً، فلم يكن نجاحها وفشلها مرتبطين مباشرةً بحملة بايدن الانتخابية رغم أنها تلاشت بنفس الطريقة، إلا أن النجاح والفشل أتيا بشكلٍ أكبر نتيجةً لعدم وجود صلةٍ أو ارتباط مباشر بذلك”.
ويعتقد بالي أن العملات الرقمية ذات الطابع السياسي ستواجه صعوبةً في الحفاظ على أهميتها بعد الانتخابات، مضيفاً أنّ “عملات الميم بطبيعتها ظاهرةٌ عابرةٌ، وسينشأ توجّهٌ جديدٌ لجذب الانتباه”.
ما الذي سيحدث لاحقاً؟
يؤكد دوموفيتش أن الاتجاه المتعلق بعملات الميم السياسية قد تمحوَر بشكلٍ رئيسي حول الولايات المتحدة حتى الآن، ولكنْ يُمكنه التوسع عالمياً في المستقبل، مشيراً إلى أن ذلك يعتمد على عدة عوامل مثل النهج التنظيمي للبلدان الأخرى ومدى اعتماد الأصول الرقمية على نطاق واسع ضمن هذه الاقتصادات وكيفية عمل أنظمتها السياسية، حيث قال:
“يتماشى النظام السياسي الأمريكي ثنائي الأحزاب كثيراً مع هذه الظاهرة، لكن قد لا توفر الأنظمة متعددة الأحزاب أو المشاهد السياسية الأقل انقساماً ساحةً خصبةً بنفس القدر. وبرغم وجود بعض عملات الميم غير الأمريكية المتعلقة بالسياسة، إلا أنها تحظى بجاذبيةٍ أقلَّ كثيراً مقارنةً بنظيراته المتعلقة بالسياسة الأمريكية؛ فبينما يمكن لفكرة كهذه أن تتوسّع، يبدو نجاحها غير مضمونٍ وقد يحتاج إلى التكيف مع السياقات المحلية”.
يُشار أخيراً إلى أنه من المرجّح أن يكون لفوز ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر تأثيرٌ إيجابيٌّ على أسواق الكريبتو، خاصّةً بالنظر إلى حديثه المتكرر عن سعيه لأن تحتفظ الولايات المتحدة باحتياطاتٍ من عملة BTC وحشد الجهود لضمان هيمنة أمريكا على قطاع تعدين العملات الرقمية. من جانب آخر، يُحتمَل أن تشهد أسعار العديد من العملات المسمّاة باسمه ازدهاراً ملحوظاً، لكنّ خسارته قد تكون بمثابة الجرس الذي يُنذر بنهاية عملات الميم المرتبطة بالسياسة، على الأقل في المدى المنظور. من ناحيةٍ أخرى، قد لا تبدأ العملات الجديدة في الظهور مجدداً إلا بعد ظهور مرشحين رئاسيين يدعمون القطاع خلال السنوات المقبلة.