أين ستكون البيتكوين بعد عشر سنوات؟

خوان فيلافيردي
| 0 min read

خوان فيلافيردي عالم اقتصاد ورياضيات يعمل على تحليل العملات الرقمية منذ عام 2012، وهو يرأس فريق محللي Weiss Ratings ومحللي الكمبيوتر الذين أنشأوا تقييمات Weiss للعملات الرقمية.
______

Source: iStock/Petchjira

هل ستكون البيتكوين أكثر قيمة بأضعاف ما هي عليه اليوم بحلول عام 2028؟ أم ستكون قد اختفت عن الوجود؟

هل سيتم استبدالها بعملات رقمية أكثر تقدمًا وتستحق تقييمات أعلى؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل ستبدأ هذه العملات الرقمية باستبدال معظم العملات الورقية؟

قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة حول المستقبل، لننظر أولاً إلى الماضي …

عندما ولدت بيتكوين قبل عشر سنوات، كان العالم يتمزق بسبب الأزمة المالية.

في عام 2008، تكبدت الحكومات الكبرى ديوناً ضخمة، وفشل بنك ليمان براذرز وأحدث سلسلة من ردود الفعل العنيفة، وأدى إلى فشل أكبر في النظام المصرفي. ثم حاولت الحكومات الخروج من ذلك عن طريق طباعة كميات غير محدودة من المال. وولدت بيتكوين كردّ فعل ساخط من ساتوشي على الفوضى التي خلقتها هذه الأنظمة.

كان حلمه: إنشاء نظام ندّ لندّ إلكتروني، يضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد:

أولاً، بيتكوين ستحرر الأموال من سيطرة أولئك الذين خلقوا الأزمة المالية.

ثانياً، سوف تحلّ محلّ كولساتهم كأول شكل من أشكال المال لديه سياسة نقدية مدمجة فيه.

ثالثًا، ستكون السياسة النقدية مستقرة وقابلة للتنبؤ وشفافة تمامًا – ومرئية للجميع.

لقد كان هذا الحلم. لكنه لم يصبح واقعاً.

أصبحت بيتكوين مخزناً للثروة (مثل الذهب) أكثر من كونها نظام نقد إلكتروني.

إليكم ما حدث …

عندما نظر مبدعو بيتكوين إلى النقود الورقية، كانت هناك رغبة ضئيلة في فرز خيرها من سيئها. وبدلاً من ذلك، تم تصميم مواصفات بيتكوين بشكل متعمد لتكون النقيض الدقيق لكل جوانب السياسة النقدية الحالية.
على وجه التحديد:

  1. عرض العملات النقدية غير محدود ويمكن توسيعه للأبد، لكن المعروض من البيتكوين له حدّ معين ولا يمكن تغييره.
  2. يجب الوصول إلى الأموال الإلكترونية من خلال البنوك، أمّا البيتكوين يستطيع أي شخص استخدامها كما يراه مناسبًا.
  3. يتكون نظام النقود الورقية من أطراف ثالثة ومجموعة من أمناء الأصول الذين يجب أن تنظمهم حكومة مركزية ويثق بهم الناس، ولكن قانون البيتكوين يرفض وجود أي شكل من أشكال التدخل المؤسساتي، أو الحكومي في هذا المزيج. في الواقع، من المفترض ألا تكون هناك سلطة على الإطلاق.

هذه كانت النظرية. ولكن من الناحية العملية، فإن هذه النقاط تسببت في خسائر باهظة على شبكة بيتكوين مع مرور الوقت:

  1. بما أن بيتكوين نادرة، فإن معظم الناس يترددون في إنفاقها. وبدلاً من ذلك، فإنهم ببساطة يخزنونها في توقع أنه مع مرور الوقت سوف ترتفع قيمتها.
  2. بما أنه لا توجد سلطة رسمية، فقد برز احتكار المنقبين عنها الذين يسيطرون على معظم عملات البيتكوين الجديدة.
  3. وبما أن البتكوين تفتقر إلى قواعد الإدارة السليمة لاختيار أمناء الحفظ، فقد استولت مجموعات معينة من المطورين على معظم عمليات تطوير الشبكة.

لذا، بات من الواضح الآن أن البيتكوين كانت ردّ فعل مبالغ فيه للأزمة المالية والنظام النقدي الذي سمح بحدوث الأزمة.

النتيجة النهائية: بدلاً من العمل كنظام نظير إلى نظير فعّال لتحويل النقود، تطورت بيتكوين لتكون مخزن للقيمة مثل الذهب. ولكن إن يتم إجراء تغييرات جذرية، فقد تبقى هكذا حتى بعد 10 سنوات من الآن.

الأسوأ من ذلك أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، يمكن أن تصبح بيتكوين أحد الأصول التي يتم تنقيبها في الغالب من قبل شركات كبرى محتكرة في الشرق (مثل الصين) … وتملكها مؤسسات مالية كبيرة في الغرب (مثل أمريكا).

الأخبار الجيدة: مثل الذهب، ما تزال بيتكوين تحتفظ بإمكانية الارتفاع بشكل كبير في القيمة، وتبقى حقيقة أن بيتكوين قدمت أول أصل عام ومفتوح ورقمي شهده العالم على الإطلاق. كانت بيتكوين أول تجربة ناجحة

لتكنولوجيا الحسابات الموزعة (DLT). وفي السنوات الأخيرة، تطورت تلك التكنولوجيا الثورية بسرعة.

إذاً، ماذا بعد؟ بالنظر إلى السنوات العشر القادمة، يمكننا التنبؤ بالآتي …

يمكن أن تسهم تكنولوجيا الحسابات الموزعة ليس فقط في تطور المال واستقرار السياسة النقدية … بل يمكن أن تعزز الإنتاجية الاقتصادية والحوكمة السياسية والتماسك الاجتماعي وأكثر من ذلك.

يمكن أن تحدث هذه التكنولوجيا ثورة في الانتخابات الديمقراطية، وتحول عالم الإقراض وتعطّل وسائل الإعلام الاجتماعية بشكل كبير. لذا، فإن إمكانات العملات الرقمية لتغيير العالم كبيرة، أكبر بكثير مما كان متوقعًا قبل عشر سنوات.

في الواقع، ما إذا كان بإمكان البيتكوين الإيفاء بوعدها الأصلي هو الآن نقطة خلافية، حيث ترتفع عملات رقمية أخرى لتحقيق الحلم الأصلي.

نعم، البيتكوين اختراع عظيم، فتح المجال لعدة مشاريع شبيهة:

  • فقد أطلقت بيتكوين العنان لفرق من المطورين والمفكرين الذين لديهم شغف بنظام النقد الرقمي اللامركزي، الذين يقومون بإصلاح أوجه القصور في البيتكوين وصقل خوارزمياتهم لخلق عملات للجماهير.
  • وفي الآونة الأخيرة، أطلقت العنان لاتجاه موازٍ من نوع مختلف جداً: فقد رأى المنظمون الماليون هذه التكنولوجيا، وأصبحوا مدركين بشكل متزايد للمزايا القوية التي يمكن أن تقدمها الحسابات الموزعة، وهم يبحثون بالفعل عن طرق للتكيف، أو تبني – أو الاستعانة – بالتكنولوجيا الجديدة لتحديث النظام القائم.

اعتماداً على أيّ من النقطتين السابقتين يسود، هناك سيناريوهان محتملان لكيفية تطور العملات الرقمية خلال العقد المقبل:

السيناريو الأول: حسابات موزعة لامركزية

تبدأ تكنولوجيا الحسابات الموزعة والعملات الرقمية المرتبطة بها بالحلول محلّ نظام العملات التقليدية. فبدلاً من الادخار، أو الإنفاق، أو الاستثمار في الدولارات، أو اليورو، أو الين، يبدأ الناس في فعل كل هذه الأشياء بالعملات الرقمية مثل إيوس، أو كاردانو، أو ريبل، أو ستيلار، أو هولو.

تتحول أعداد متنامية من السكان من العملة الصادرة من الحكومة إلى العملات الرقمية العامة، وتنجذب إلى العملات الرقمية من خلال التطبيقات اللامركزية (dApps)، والتي تدعمها العملات الرقمية الحرة والمفتوحة.
لا يخضع هذا النشاط لسيطرة حكومة أو مؤسسات خاضعة للتنظيم الحكومي، ويكون محكوم بتوافق كل المجتمع.

في البداية، تقاوم الحكومات، لكن في النهاية تقبل الواقع الجديد. يدركون أنه لم يعد بإمكانهم السيطرة على النظام النقدي بالطريقة التي اعتادوا عليها. وبدلاً من مخالفة الاتجاه، يبدؤون في إدراك هذه الأشكال الجديدة من المال كعملة قانونية.

لا توجد عملة فائزة وحيدة. بدلاً من ذلك، تصبح مجموعة مختارة من العملات الرقمية هي المهيمنة، وذلك بفضل التكنولوجيا المتفوقة، والتطبيقات الأكثر عملية وذات القبول السائد.

السيناريو الثاني: حسابات موزعة مركزية

تقود الحكومات الاقتصادية الأكبر في العالم – مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان – الطريق نحو اعتماد تقنية الحسابات الموزعة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن البلدان الصغيرة تأخذ زمام المبادرة وتتبعها الدول الأكبر. يدركون أن النقود الرقمية هي موجة المستقبل، ويرون أن الشكل الوحيد والأكثر كفاءة من النقود الرقمية يعتمد على هذه التكنولوجيا.

ولكن بدلاً من إنشاء أنظمة مفتوحة لامركزية، فإنها تركز على أنظمة الأموال الرقمية التي تحاكي نظام العملات التقليدية الموجود بالفعل. نعم، التكنولوجيا متشابهة، لكن حوكمتها تختلف: فالأنواع الجديدة من الأموال تظل تحت السيطرة المباشرة للبنوك المركزية.

بالنسبة إلى الزعماء السياسيين الذين يتوقون إلى المزيد من السلطة والتحكم، فإن هذا يعدّ حلم حياتهم: فالعاملين الحكوميين يستطيعون الآن مراقبة كل معاملة فردية في النظام بشكل مباشر. يستطيعون تجميد الحسابات بنقرات قليلة على فأرة الحاسوب، وحالما يتم رقمنة أنواع مختلفة من الممتلكات، يمكن تنفيذ مرسوم حكومي بمصادرة أصول مجموعات مستهدفة من الناس في ثوان.

إن التكنولوجيا ما تزال موزعة، ولكن بدلاً من فتح الشبكة أمام الجميع (نظام لا يلزمه إذن دخول)، يجب على أولئك الذين يرغبون في الانضمام أولاً الحصول على موافقة الحكومة (نظام مصرح به)، وبدلاً من الاعتماد على القواعد المضمنة في النظام نفسه لضمان الإنصاف (نظام لا تلزم الثقة به)، يجب على المشاركين قبول سلطة الحكّام (نظام عليهم الوثوق به).

في بلد ذات تقاليد ديمقراطية قوية وحماية قضائية، لن يكون هذا مصدر قلق فوري. من المتوقع أن تعمل الحكومة في مصلحة الشعب، ويفترض أنها ستستخدم قوتها الرقمية الجديدة بشكل صارم ضد الجهات الفاعلة السيئة.

ولكن في البلدان التي تميل بالفعل نحو الاستبداد، أو مع عدم وجود سلطة قضائية مستقلة، فإن الصورة تتحول من مظلمة إلى أشدّ ظلاماً: تستخدم الحكومات نظام الحسابات الموزعة المركزي للقضاء على أيّ حريات فردية تظل قائمة.

كيف يمكن أن تمكّن ذات التكنولوجيا سيناريوهين مختلفين تمامًا؟

تذكر: جميع التقنيات محايدة بطبيعتها، ولكنها يمكن أن تكون أداة تطور أو سلاح تدمير، نصلٌ للحصاد أو للحرب.

تكنولوجيا الحسابات الموزعة هي مثال ساطع على ذلك. إنها واحدة من أكثر التقنيات الثورية على هذا الكوكب، ويمكن أن تساعد في تعزيز الحرية الفردية، وضمان حقوق الملكية وبناء الثروة أو يمكن استخدامها من قبل الحكومات الاستبدادية لتأسيس دولة مراقبة قاسية.

بعد عشر سنوات من الآن، ماذا سيحدث؟ يعتمد ذلك على أي من السيناريوهات سيسود: حسابات موزعة لامركزية، أم مركزية؟

تخميننا هو أنه في الوقت الحالي على الأقل، قد ينتهي بنا الأمر بمزيج من الاثنين. ولكن على المدى الأطول، سيكون لنظام الحسابات الموزعة اللامركزي دوماً ميزتان رئيسيتان:

أولاً، تستمد هذه التكنولوجيا أعظم قوتها من المشاركة الجماعية الطوعية، لكن المركزية منها تمنع المشاركة الجماعية، وتتعارض مع جوهر الحسابات الموزعة.

ثانيًا، حتى إذا تمكنت الحكومات من إنشاء نموذج خاص بها من العملات الرقمية تحت سيطرتها بالكامل، فسيكون من المستحيل تقريبًا حظر شبكات الحسابات الموزعة اللامركزية.

ففي النهاية، فإن الديناميكية نفسها التي تجعل الديمقراطيات أقوى من الأنظمة الديكتاتورية، ستجعل أيضًا نظام الحسابات الموزعة اللامركزي أقوى من البديل المركزي.