تقريرٌ لبنك جي بي مورغان يرصد إمكانية تأثير الجهات التنظيمية الأمريكية على استخدام عملة تيذر دولياً

| 4 min read

شعار تيذر (Tether) وحوله دائرةٌ باللون الأبيض داخل دائرة خضراء - المصدر: Adobe

تواجه المكانة التي تتمتع بها عملة تيذر (Tether-USDT) -أعلى العملات المستقرة من حيث القيمة السوقية- تحدياتٍ ومخاطرَ تنظيميةٍ بسبب ما تتخذه مختلف السلطات والنطاقات التنظيمية من إجراءاتٍ تسعى لفرض قدرٍ أعلى من الشفافية والامتثال على مُصدِري العملات المستقرة (Stablecoins).

وهكذا فإن عملة USDT تبدو معرّضةً لتأثيراتٍ كبيرةٍ بسبب اعتمادها على السوق الأمريكية وبقائِها عرضةً للتغييرات التنظيمية؛ ومع أن المقرَّ الرئيسيّ لشركة تيذر لا يقع داخل الولايات المتحدة، إلا أنه يمكن للجهات التنظيمية الأمريكية ممارسة نفوذها على استخداماتها الدولية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، وذلك حسبما ذكر تقريرٌ بحثيٌّ صادرٌ عن مؤسسة جي بي مورغان (JPM) الخميس الماضي.

تقرير مؤسسة  JPMيكشف تأثير السلطات الأمريكية على النواحي التنظيمية لعملة تيذر والعملات المستقرة الأخرى


في تقريرٍ بحثيٍّ حديثٍ صدر الخميس الماضي، سلط محللو جي بي مورغان (JPM) الضوء على مدى التأثير الذي يمكن للسلطات الأمريكية ممارسته على شركة تيذر (Tether)، جهة إصدار العملة المستقرة USDT واسعة الاستخدام. وعلى الرغم من أن شركة تيذر لا تُعتبر كياناً أمريكياً، فإن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) -التابع لوزارة الخزانة الأمريكية- يمارس تأثيراً مباشراً على عملياتها التشغيلية، وبالتالي على استخدام عملتها USDT وامتثالها للمعايير التنظيمية.

يُذكر تحذيرُ عدد من المحللين -على رأسهم نيكولاوس بانيجيرتسوغلو (Nikolaos Panigirtzoglou) – من أن استهداف التشريعات المرتقبة للعملات المستقرة قد تمارس “ضغوطاً غير مباشرة” على عملة تيذر، ما قد يُفضي إلى التقليل من جاذبيتها مقارنةً بنظيراتها التي تتسم بقدرٍ أعلى من الشفافية والامتثال للمعايير التنظيمية الجديدة، كسياسات التعرّف على هوية العملاء (KYC) ومكافحة غسيل الأموال.

وهكذا، تواجه شركة تيذر ضغوطاً متزايدةً لتعزيز عامل الشفافية لديها فيما يتعلق بأصولها التي تحتفظ بها مقابل عملات USDT التي تُصدرها، وهي تبذل -في هذا الإطار- جهوداً لنشر بياناتٍ حقيقيةٍ حول هذا الأمر. ومع ذلك، أعرب تقرير مؤسسة JPM عن شكوكه حيال ذلك، مشيراً إلى أن الإفصاحات الأخيرة من قِبَل مُصدِر العملة المستقرة تيذر (Tether-USDT) لم تكن كافيةً لتبديد المخاوف، وقد يمتد تأثير هذا الضغط إلى منصات التمويل اللامركزي (DeFi) التي تلعب عملة USDT دوراً هاماً فيها كمصدرٍ رئيسيٍّ للضمانات والسيولة.

وأشار التقرير إلى توقعاتٍ بوجود تنسيقٍ عالميٍّ لإقرار قوانينَ موجّهةٍ لتنظيم العملات المستقرّة من خلال هيئة الاستقرار المالي (FSB) ومجموعة العشرين (G20)، ما من شأنه زيادة القيود على استخدام العملات المستقرّة غير الخاضعة لإشرافٍ تنظيميٍّ، كعملة تيذر (USDT).

كذلك سلط محللو جي بي مورغان الضوءَ على ارتباط شركة تيذر بتطبيق تورنيدو كاش (Tornado Cash) -وهي منصّةٌ معنيةٌ بإضفاء طابع الخصوصية على المعاملات القائمة على بلوكتشين إيثيريوم- كمثالٍ على التأثير الذي يلعبه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) على هذه العملة، وقام المكتب بفرض عقوباتٍ على المنصة المذكورة عام 2022 لتورّطها المزعوم في أنشطة غسيل أموالٍ، ما دفع Tether إلى الالتزام بالتوجيهات التنظيميّة. ومع أن تيذر قاومت في البداية، لكنها اضطرّت في النهاية إلى تجميد عملاتها المستقرّة الموجودة في مَحافظ العملات الرقمية المستهدَفة من قِبَل المكتب المشار إليه في كانون الأول/ديسمبر الماضي، مبرّرةً الأمر بإجراءاتٍ أمنيةٍ استباقيةٍ؛ كما أشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن الإجراءات القانونية ضد الكيانات الخارجية والنظم اللامركزيّة تنطوي على تعقيداتٍ خاصةٍ، إلا أن التدابير الاحترازية غير المباشرة والتعاون الدوليّ يُمكنهما أيضاً إعاقة استخدامها.

رئيس تيذر التنفيذيّ ينتقد تعليقات مؤسسة JPM


في معرِض ردِّه على ما أثاره تقرير مؤسسة JPM من مخاوف حول عملة USDT، أكد الرئيس التنفيذيّ لشركة تيذر باولو أردوينو (Paolo Ardoino) على التدابير الاستباقية التي اتخذتها الشركة تحسّباً للإجراءات التنظيمية، واصفاً تعليقات جي بي مورغان بالادعاءات المنافقة لكبرى المؤسسات المصرفية عالمياً، والتي تؤكد على ازدواج المعايير الواضح في خطابها المُغرض بخصوص اقتسام حصّة السوق.

وأشار أردوينو إلى أن مخاوف مؤسسة JPM قد تكون بدافع الغيرة من هيمنة تيذر المتنامية على قطاع الكريبتو، مقارنةً بالتحديات التنظيميّة التي تواجهها مؤسّسته؛ وقال أردوينو حول ذلك:

“يبدو أن بواعث القلق لدى مسؤولي مؤسسة JPM الحالية نابعةٌ من غيرتهم من تطوّر خدماتنا المالية وخدمات الدفع الخاصة بنا، والتي ظلوا يتجاهلونها لعقد من الزمن، والآن أصبحوا منزعجين لأنّها حظيَت بالكثير من الاهتمام. لو كنت في مكانهم، لكنت أكثرَ قلقاً بشأن إجمالي الغرامات المفروضة عليهم و البالغة 39 مليار دولار”.

ومع ذلك، تبقى تبعات الإجراءات المُنتظَرة لتنظيم العملات المستقرة في الولايات المتحدة وأوروبا على استخدام تيذر احتمالاً وارداً؛ فتبعاً لمحللي مؤسسة JPM، من المرجّح أن تقلل الإجراءات التنظيمية المحتملة من جاذبية عملة تيذر USDT مقارنةً بغيرها من العملات المستقرة التي تتفوّق عليها بالنظر إلى معايير الشفافية والامتثال للمستجدّات التنظيمية، ما يمكنه التأثير على دور تيذر في مجال التمويل اللامركزي (DeFi) أيضاً.

وفي هذا الإطار، أعربَ محللو مؤسسة JPM عن عدم قبولهم بممارسات الإفصاح الحالية التي تتبعها شركة تيذر، مشيرين إلى أنها لا ترقى إلى معالجة المخاوف الدائرة حولها، كما سلطوا الضوء بشكلٍ خاصٍّ على افتقار تقارير تيذر للتفاصيل الكافية حول احتياطي الأصول وإجراءات التدقيق من جهاتٍ محايدة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار المحللون إلى التصنيف الضعيف الذي تمنحه مؤسسة S&P Global لقدرة Tether على الاحتفاظ بربط عملتها مع قيمة الدولار الأمريكي (USD)، مشيرين إلى المخاطر الكبيرة التي تنطلي عليها قيمة أصولها الأساسيّة خارج سندات وزارة الخزانة الأمريكية. ورغم إعلان  شركة تيذر عن أرباحٍ كبيرةٍ حققتها العام الماضي بفضل ارتفاع معدلات الفائدة وارتفاع قيمة أصولها، إلا أن المخاوف ما تزال قائمةً بشأن مدى استقرار قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي وسط ظروف السوق المتقلّبة.

تابعونا عبر Google News من هنا