تسجيل أكبر زيادة شهريةٍ في معدّلات التضخم داخل الولايات المتحدة لعام 2023 مع ارتفاع مؤشر الأسعار الاستهلاكية بمقدار 0.6%

ترينت رود
| 4 min read
US inflation, inflation rate
تصوير: Frederick Warren من موقع Unsplash

أصدرت وزارة العمل الأمريكية اليوم بياناتٍ جديدةً تظهر زيادةً بنسبة 0.6% في مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية (CPI) لشهر آب/أغسطس؛ وهو أكبر ارتفاع شهريٍّ لنسب التضخم في الولايات المتحدة حتى الآن لهذا العام. وأظهرَ التقرير أن الأسعار ارتفعت بنسبة 3.7% مقارنةً بشهر آب/أغسطس من العام الماضي، وهي نسبةٌ أعلى قليلاً ممّا توقّعه المحللون الاقتصاديون.

ومن المعلوم أن مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية (CPI) يشكّل أداةً لقياس متوسط التغيّر في تكلفة السلع والخدمات مع مرور الوقت.

وكان المحللون الاقتصاديون الذين استطلع مؤشر داو جونز (Dow Jones) آراءَهم قد توقعوا أن تبلغ الزيادات 0.6% و3.6% على التوالي.

تكاليف الطاقة تُسهم بشكلٍ كبيرٍ في التضخم داخل الولايات المتحدة


عند استثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة، فإن الارتفاع في مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية الأساسيّ يبقى على نسبة 0.3% خلال الشهر و4.3% على أساسٍ سنويّ؛ ويحظى هذا المؤشر الأساسيّ بمزيدٍ من الاهتمام من قِبَل مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي كونه يقدم صورةً واضحةً لاتجاهات التضخم على المدى الطويل. وقد شهدت تكلفة الطاقة ارتفاعاً بنسبة 5.6% خلال شهر آب/أغسطس لا سيّما الارتفاع الكبير بنسبة 10.6% في أسعار الوقود.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 0.2%، في حين ارتفعت تكاليف السكن -والتي تمثّل حوالي ثلث مكوّنات مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية- بنسبة 0.3%، كذلك ارتفعت كلفة الإيجار السكنيّ بنسبة 0.5%، وهو ما يشكّل زيادةً بنسبة 7.8% مقارنةً بالعام الماضي. من ناحيةٍ أخرى، فقد ارتفعَ الإيجار المعادِل للمالكين -وهو مؤشرٌ يقيس آراء أصحاب المنازل حول ما يمكن أن يتقاضوه مقابل إيجار عقاراتهم- بنسبة 0.4% على أساسٍ شهريٍّ و7.3% على مدار العام.

وكشف التقرير أيضاً عن ارتفاع أسعار أجور الطيران بنسبة 4.9% على الرغم من أنها لا تزال أقلَّ بنسبة 13.3% عمّا كانت عليه قبل عام. في المقابل، انخفضت أسعار المركبات المستعملة -والتي كانت قد لعبت دوراً هاماً في زيادة معدّل التضخم في عامي 2021 و2022- بنسبة 1.2%، ما يعني انخفاضَ أسعارها بنسبة 6.6% على أساسٍ سنويٍّ؛ كما شهدت تكاليف خدمات النقل زيادةً بنسبة 2% في آب/أغسطس الماضي.

دور قطاع السكن في زيادة معدل التضخم


في معرض تأكيدها على دور قطاع السكن في زيادة معدلات التضخم، قالت كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة برايت إم إل إس (Bright MLS) ليزا ستورتيفانت (Lisa Sturtevant) إنه إذا تمّ استثناء تكاليف السكن من مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية، فإن معدّل التضخم السنويّ سيبلغ حوالي 1% فقط.

وجاء ذلك في سياق حديث ستورتيفانت مع شبكة CNBC، حيث أضافت: “ما تزال تكاليف السكن تساهم إلى درجةٍ كبيرةٍ بارتفاع نسبة التضخّم. لقد تباطأ نموّ الإيجارات بشكلٍ كبيرٍ وانخفض متوسط الإيجارات على المستوى الوطنيّ على أساسٍ سنويّ في آب/أغسطس. … ومع ذلك، يستغرق الأمر أشهراً حتى يُترجَم الانخفاض العام لتكاليف الإيجار في مقاييس مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية، وهو أمرٌ ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي أن يأخذه في الاعتبار ضمن رؤيته المعتمِدة على البيانات لاتخاذ قراره بشأن سياسة معدلات الفائدة في اجتماعه … لاحقاً هذا الشهر”.

وبعد صدور تقرير التضخم، انخفضت العقود الآجلة لسوق الأسهم مؤقتاً ولكنها تعافت لاحقاً، كما شهدت عوائد سندات الخزانة أيضاً حركةً صعوديّة. وبالتزامن مع ذلك، فقد أثّرَ ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة على أجور العمال، حيث انخفض المتوسط الفعليّ لأجر ساعة العمل بنسبة 0.5% في آب/أغسطس، على الرغم من أنه لا يزال أعلى بنسبة 0.5% عن العام الماضي.

رؤية الاحتياطي الفيدرالي لمعالجة التضخم


تشير التصريحات الصادرة مؤخراً إلى أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يعكفون حالياً على تطوير إستراتيجيةٍ طويلة المدى لمعالجة قضية التضخم. فمنذ آذار/مارس 2022، رفعَ البنك المركزيّ معدلات الفائدة على الاقتراض بمقدار 5.25 نقطة مئوية بهدف احتواء التضخم الذي وصلَ الصيف الماضي إلى ذروةٍ لم تشهدها الولايات المتحدة منذ ما يزيد عن أربعة عقود.

وفي كلّ الأحوال، يبدو أن التصريحات الأخيرة للمسؤولين تشِي بنظرةٍ أكثرَ توازناً تجاه المخاطر، وحذرٍ أكبرَ فيما يتعلق بزيادة معدلات الفائدة في المستقبل.

وفي هذا الصدد، يقول أندرو هانتر (Andrew Hunter)، نائب كبير الاقتصاديين الأمريكيين في كابيتال إيكونوميكس (Capital Economics): “بشكلٍ عام، لا توجد أسبابٌ تدفع الاحتياطي الفيدرالي لتغيير خططه في إبقاء معدلات الفائدة على حالها خلال اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل”.

وتسود الآن حالةٌ من التقلّب في توقعات السوق بشأن إجراءات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية، حيث يتوقع المتداولون احتمالاتٍ بنسبة 40% لرفع معدلات الفائدة مجدداً في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وذلك بناءً على بياناتٍ من CME.

وتوفر أحدث البيانات نظرةً شاملةً عن حالة الاقتصاد فيما يتعلق بالتضخم. ورغم أن ردود فعل السوق كانت متباينةً، فإن الأرقام تؤكد التحوّلات الكبيرة في مختلف القطاعات، من الطاقة إلى الإسكان.

وممّا لا شك فيه، فإن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي ومحللي السوق سوف يأخذون هذه التطوّرات بعين الاعتبار في سياق قراراتهم حيال السياسة الاقتصادية المستقبلية. فالتقلبات في قطاعاتٍ حيويةٍ مثل خدمات الإسكان والنقل تفتح أبواباً إضافيةً في الحديث عن شجون التضخم، ما يجعل الأشهر المقبلة حاسمةً لفهم الاتجاهات الاقتصادية المتوقّعة على المدى البعيد.